عوافي
قالت وقد بصّت عليَّ: "عوافي"
وتدلّعت في ثوْبها الشفّافِ
وتمايلت وتخايلت وتحايلت
حتى سَبَتْ عقلي بغيْرِ سُلافِ (أفضل أنواع
الخمْر)
قالت: "أأنت من العجوزة يافتى
أم انت جلفٌ من بني الأريافِ؟
إني أراك مُهذّباً ومؤنتكاً ومُرستكاً
وعليك قنطارٌ من الأصوافِ
لكن لمحتك في الطريق تبص لي
وتكاد تقضم من لحوم كتافي"
فأجبتها والقلب يرقص داخلي:
"أهلاً وسهلاً بالجمال الصافي
أنا من تجاويف الصعيد وموْطني
طهطا ومن قوصٍ أتى أسلافي
ولديَّ في أسيوطَ نصفُ عمارةٍ
مملوكةٍ في حارة الأشرافِ
ولديَّ في إسنا جنينة مَنْجَةٍ
وبهائمٌ تربو على الآلافِ
والحلوة الحسناء أين بلادُها؟
إني أراها تلبس الشفافِ"
قالت: "أنا فلّاحةٌ من طلخا
وأقيم في الزيتونِ عند عفافِ
وعفافُ أختي حلوةٌ لكنها
عند النصيب تزوّجت إسكافي"
قلت: "إقبليني كي أكون عديلَه
كم قد دهست عقارباً وانا حافي"
قالت: "يالهوي أنت جلفٌ جامدٌ
ومن الصعيد تزقُ بالأكتافِ
قد كنت أحلم أن أُزوَّجَ من فتىً
سكن الزمالك من عيالٍ فافي
وأبوه في مصر الجديدة ساكنٌ
في شقةٍ بعمارة الأوقافِ"
فسكتُ عنها لحظةً فتلَوْلَوَت
قالت: "مالي أراك سكتَ
كالخوّافِ؟"
قلت: "اختشي أنا لا أخاف ولست من
صنف العيال التافه الهنتافِ
إني عشقتك حين قلتي عوافي
ريفيّةً من قعرةٍ الأريافِ
أنا لست أرضى بالزمالك مسكناً
أو بالمعادي مثل عبد الشافي
ذاك الذي باع الصعيد بزوْجةٍ
وإذا يزور يزور كالمصطافِ
إني انغرست به فأثمر نخوةً
وشهامةً في الحِل والتطوافِ
من عهد مينا جدّنا لم ننحرف
أو عهد عمروٍ مكرم الأضيافِ
مَن قال أن رجالنا كرجالكم
أم مَن يسوّي الدُر بالأصدافِ
مَن قال أن نسائنا كنسائكم
هل دفءُ بطّانيةٍ كلحافِ؟"
فتضاحكت وشعرتُ أن مزاجها
قد راق وارتاحت إلى أوصافي
قالت: "لقد أعجبتني يالدالعدي
هيا إلى المأذونِ دون خلافِ"
فأجبت: "لا .. لابد لي من جزمةٍ
وعبايةٍ وعصايةٍ وخرافِ
ويكون حولي معشرٌ أشنابهم
مسنونة الحديْن كالأسيافِ"
فبعثت فتحي للصعيد فجاءني
بعصابةٍ كالسرو والصفصافِ
وتألّقَ المأذونُ بين ديارنا
وتلا عليْنا سورة الأعرافِ
واهتز رأسي فجأةً فصحوْتُ من
نوْمي على كفٍ تشد لحافي