تطعيم كورونا
إخوتي وأصدقائي الأعزّاء: هذا المقال جاد
جداً وخالي تماماً من السخرية والتهكّم فأنا أكتبه الآن بصفتي طبيب أُسْأل كثيراً
– في عيادتي وخارجها – نفس السؤال المذكور في عنوان المقال وأردت أن أجيب عليه
بمنتهى الأمانة والشفافية حسبما أوتيت من العلم المتاح وقرأت من المعلومات السانحة.
التعريف باللقاح:
بعد أبحاثٍ طويلة وشاقة أعلنت الصين عن لقاح
ضد فيروس "كوفيد – 19 المستجد" تحت اسم "كورونا سينوفاك" وهو
من إنتاج شركة "سينوفارم"، ويعمل هذا اللقاح من خلال طريقة تقليديّة
(ولكنها مجرّبة وناجحة في لقاحات أخرى لأمراض أخرى) باستخدام جزيئات فيروسية ميّتة
لتعريض النظام المناعي في الجسم إلى الفيروس وتكوين جيش مناعي (أجسام مضادة) ضده
بدون حدوث رد فعل خطير (في حين أن اللقاحات الأخرى تعتمد على طريقة حديثة ولكنها
ليست مجرَّبة من قبل باستخدام مرسال الحمض النووي الريبوزي
"mRNA" للفيروس ويعني ذلك أن جزءاً من الشفرة
الجينية لهذا الفيروس يتم حقنه في جسم الإنسان فيؤدي إلى تحفيزه على البدء في
إنتاج البروتينات الفيروسية بمقدار كافٍ لتدريب النظام المناعي على إفراز الأجسام
المضادة للفيروس)، وهو قابل للتخزين في ثلاجة عادية عند درجة حرارة تتراوح بين 2 و
8 درجات مئوية (في حين أنه ينبغي تخزين لقاح موديرنا في درجة حرارة -20 بينما يجب
تخزين لقاح فايزر في درجة حرارة -70)، ويُعطى التطعيم باللقاح على جرعتين بينهما
21 يوماً وتؤخذان في عضلة الكتف، ويمكن لهذا اللقاح أن يسبب أعراضاً قصيرة المدى
مثل ألم في موضع الوخزة وارتفاع بدرجة الحرارة وآلام بالعضلات وصداع وشعور
بالإرهاق وهي نفس الآثار الجانبية الخفيفة التي يصاب بها الكثيرون ممن يحصلون على
لقاح الإنفلونزا السنوي وغالباً ما تزول بعد يومين على الأكثر ويمكن تخفيفها عن
طريق تناول البارسيتامول أو الأيبوبروفين، ويعطي اللقاح للشخص المُطعَّم به مناعة
محدّدة بحوالي عام واحد فقط (وليست مناعة مدى الحياة) خصوصاً وأن الحمض النووي
لفيروس "كوفيد – 19 المستجد" يتحوّر لأكثر من شكل بعد حدوث طفرات جينيّة
به.
أسباب المخاوف والتشكيك في اللقاح:
- لأن اللقاح الصيني يأتي في آخر
قائمة اللقاحات الدولية التي أُعلِن عن إنجازها حتى الآن من حيث الفعالية التي
قُدِّرت بنسبة 86 بالمئة، في حين يأتي في المقدمة لقاح شركتي
"فايزر-بايونتك" بفعالية وصلت إلى 95% ثم لقاح "مودرنا"
الأمريكية بفعالية نسبتها 94.5% يليه لقاحا "أوكسفورد-أسترازينكا" و
"سبوتنيك - في " الروسي بفاعلية 92% لكليْهما.
- لأن بيانات تجريبه الأخيرة (خصوصاً
المرحلة الثالثة) ليست متاحة بدرجةً كافية ولا تتمتّع بالشفافية اللازمة.
- لأن البعض أعلن عن وجود آثار جانبيّة
وحالات وفاة إثر استخدام هذا اللقاح.
- لأن المُنتج الصيني (بصفة عامة) لا
تتمتّع سمعته بالجوْدة.
- لأن اللقاح رخيص الثمن.
- لأن ثلاث دول فقط "مصر والمغرب
والإمارات" تعاقدت على شراء هذا اللقاح في طليعة الدول الأخرى التي فضّلت
الانتظار فترة من الوقت حتى تُثبَت فاعليته ونجاعته.
- لأن "الصين" نفسها استوردت
100 مليون جرعة من اللقاح الآخر الذي تنتجه شركة "فايزر" رغم أنها أعلنت
عن إنتاج مليارات من جرعات لقاحها الصيني الذي تنتجه، وإذا كان سبب الاستيراد هو
عدم كفاية الناتج المحلّي من اللقاح الصيني فلماذا لا تختص "الصين"
مواطنيها الأوْلى بكل إنتاجها ولا تصدّر إلّا بعد الاكتفاء منه وتحقيق فائضٍ
معقول؟
- لأن هناك أزمة ثقة كبيرة بين المواطن
والحكومة نشأت منذ عشرات العقود فالمواطن يعتقد إلى درجة اليقين أنه رخيصٌ بلا
قيمة عند حكّامه الذين يعملون دائماً لمصلحتهم دون مصلحته فهو لا يستبعد عليهم أن
يستخدمونه بمثابة فأر تجارب لترجمة الاختبارات المعمليّة إلى أرقام واقعيّة
لاستكمال البحوث العلميّة بعد تطبيقها على البشر، ولذلك فبمجرّد ترحيب الحكومة
(وإعلامها الفاسد ذو السُمعة الرديئة) بالتطعيم بهذا اللقاح أو مدحها فيه يجعل
الفأر في عِب المواطن يلعب بقوّة بل يتقافز منذراً بأن هناك "ملعوباً أو
خازوقاً أو إنَّ" في هذا الأمر على أساس ثقافة المثل الشعبي القائل:
"الحدّاية ما بتحدّفش كتاكيت" وحضراتكم تعرفون طبعاً مَن المقصود
بالحدّاية التي هي أنثى الغراب المعروف عنه أنه طائرٌ نجس ذو سمعةٍ سيئة لا يتورّع
أن يأكل حتى الجيف النتنة.
أسباب قراري الشخصي بأخذ التطعيم لي ولأسرتي ولمَن يستشيرني:
- لأنه هو المتاح حالياً ولا نعلم إذا
ما كانت اللقاحات الأخرى سيتم توفيرها (حتى ولو بمقابل مادي مرتفع) في
"مصر" أم لا، وربما تصاب بالمرض (لا قدّر الله) قبل أن تتوفر اللقاحات
الأخرى فتندم على أنك لم تنتهز فرصة توافر هذا اللقاح.
- لأن نسبة نجاحه وفاعليته هي أفضل من
لا شيء حيث يتربّص بك المرض في أي وقت (خصوصاً في ظل عدم الوعي الكافي للوقاية في
"مصر") وفي النهاية كل شيءٍ مقدورٌ وبنصيبٍ مكتوب فربما تكون من ضمن الـ
86% الذين نجح معهم اللقاح الصيني وربما تكون من ضمن الـ 5% أو الـ 8% الذين فشلت
معهم اللقاحات الأخرى.
- لأن تخزينه في ثلاجة عادية متاح في
"مصر" أمّا اللقاحات الأخرى فربما تفسد إذا تم تخزينها في درجات حرارة
أعلى مما ينبغي خصوصاً ونحن لا نملك وسائل التبريد العالية بوفرة.
- لأن بيانات تجريبه سيتم الإفصاح عنها
قريباً جداً بعد مرور وقتٍ كافٍ على انتهاء التجارب السريريّة.
- لأن الأعراض الجانبيّة أو حالات
الوفاة إثر استخدام هذا اللقاح لا تقتصر عليه فقط بل هي موجودة في اللقاحات الأخرى
وربما بدرجة أقل ولكنها ليست معدومة نهائيّاً.
- لأن شركة "سينوفارم"
الصينيّة تعاقدت على توريد لقاحها لعدة دول أخرى مثل "أندونيسيا والبرازيل
وبيرو وتركيا" وغيرها.
- لأن جوْدة المنتج الصيني ارتفعت في
المجمل بعد توافر البحوث والوسائل العلميّة وتحقيقها لطفرة هائلة فأنت ترى أفضل
تكنولوجيا (ربما أعلى من الدول الأوروبيّة وأميريكا) الآن تخرج من
"الصين" العظمى كالكومبيوترز والتليفونات والأجهزة والسيّارات وبأسعار
لا مثيل لها.
- لأن "الصين" لا تهدف إلى تحقيق
هامش ربح مادي كبير من وراء هذا اللقاح بل تهدف إلى تحقيق نجاح علمي ودبلوماسي بين
دول العالم لتغيير نظرة هذه الدول للـ"صين" المعروف عنها ديكتاتوريّتها
ووحشيّة حكّامها وعدم اهتمامهم بحقوق الإنسان ولهذا يهمّها نجاح هذا اللقاح بشدّة
لتحقيق فوزٍ معنويٍ هام على دول الغرب بالذات.
- لأن سبب شراء "الصين" لـ
100 مليون لقاح من الدول الأخرى يهدف إلى إحداث تنويع بين اللقاحات المختلفة
وتوفير الأنواع غالية الثمن للمواطن الصيني المقتدر ومن ثَمَّ يتم تركيز الجهود
الإنتاجيّة والماليّة على الشرائح المتوسطة والفقيرة لتوفير هذا اللقاح الرخيص لهم
بأعدادٍ تكفيهم.
- لأن المسؤولين في وزارة الصحة حالياً بل والنظام الحاكم عموماً نظن به خيْراً وأعتقد (وأرجو ألّا أكون مخطئاً) أنهم يراعون الله في أهلهم وإخوتهم في الوطن ويعرفون أنهم تحت المجهر العالمي وأن الشعب لن يغفر لهم إذا ألقوا به في براثن التجارب العلميّة خصوصاً وأن اللقاح مجاني تماماً وبالتالي فلن يكون لأحدٍ ما أي مصلحة ماديّة من وراء توفير هذا اللقاح .. يعني م الآخِر كده ما فيش سبّوبة من ورا تطعيم الناس بهذا اللقاح.