مزارع الشوك (1)
كان موقَف السيّارات الأجرة بمدينة
"سيدي برّاني" بمحافظة "مطروح" شاغراً إلّا من سيّارة
"حماده الاسكندراني" الذي كان جالساً قريباً من سيّارته الأجرة على
المقهى المقابل يدخّن النرجيلة منتظراً الفرج ؛ فقد كانت سيّارة "حماده"
هي الوحيدة التي ظلّت دون عمل بعد أن استأجر الزبائن باقي السيّارات وعربات النصف
نقل وانطلقوا بها مع أصحابها حيث يريدون مخلّفين وراءهم "حماده" الذي
اشتهر بيْن الناس بغلوائه في الأجرة ومبالغته في السرعة الجنونيّة على الطريق
ناهيك عن فظاظة خلقه وسوء مجالسته، ولم يكن زبائنه من أهل المدينة الصغيرة سوى
المضطرّين للركوب معه لظروفٍ قاهرة أو من خارج المدينة إلّا الجاهلين بشراسته
وطيْشه.
وقبل أن يؤذَّن للعشاء في هذه الليْلة
الباردة برقت السماء ثم رعدت منذرةً بمطرٍ غزير انهمر على المدينة وما حولها فهَمّ
"حماده" بالانصراف إلى بيْته ليتناول وجبةً ساخنة ويتدثّر في سريره
الدافئ، وبعد أن ألقى خرطوم النرجيلة على الطاولة وترك عليْها بضعة جنيْهات ارتشف
ما تبقّى من كوب "العنّاب" واندفع يجري خارجاً من المقهى متّجهاً نحو
عربته فركبها وأدار محرّكها، وقبل أن تتحرّك قيْد أنملة فوجئ "حماده"
بشخصٍ مكتنز الجسم متوسّط القامة في العقد الخامس من عمره يرتدي جلباباً أبيض ومعه
حقيبة متوسّطة الحجم يفتح الباب المجاور له ويجلس بجانبه ويغلق الباب بسرعةٍ وعنف
قائلاً :
- سلامُ عليكم يا أخينا.
- وعليكم السلام.. إيه يا عم انت طلعت لي
منين؟
- معلهش يا خوي.. ركبت من غير ما استأذنك..
أصل المطر شديد وما نبغي نبتل أكتر من هيك.
- أأمرني يا شيخ العرب؟
- والله يا أخي باريدك توصّلني "لكفر
ابو طرحة".
- ده الوقت؟
- إيه.. ها الحين.. أمّال باكر؟
- يا عمدتنا ما انتش شايف الدنيا ليل والمطر
مغرّق الأرض إزّاي؟.. السفر صعب قوي ده الوقت.
- يا خيي مو صعب ولا حاجة.. دول تمانين كيلو
فقط.
- لأ وانت الصادق تمانين رايح وتمانين جاي..
ولّا انا ح اوصّلك ومش ح ارجع بيتي.
- ها ها ها.. ترجع بالسلامة إن شا الله..
واني تحت أمرك ح اعطيك كيف ما تريد.
- كلّك نظر بقى يا عمدة.. آديك شايف الجوْ
عامل إزّاي.. ده انا كنت ناوي اروّح.. واللهِ ما كنت ناوي اشتغل لولاش انت بس راجل
طيّب.
- سير يا أخي على بركة الله.. وان شا الله ما
نختلف أبداً.
- بسم الله.. يا مسهّل.. اربط الحزام بس الله
يكرمك وما تقفلش إزاز الشبّاك كله علشان البربيز ما يبخّرش.. سيب حتّة صغيّرة
مفتوحة.. عايزين نوصل بالسلامة الله لا يسيئك.. وحط الشنطة دي ع الكنبة
الورّانيّة.
- حاضر يا عم الاسطوات.. بس خلّي الشنطة معي
على حجري.