مارس 2019 :
عمرك سمعت عن الجمهورية دي ؟ .. أنا عن نفسي
لسّه قاري عنها النهار ده .. الموضوع بجد واللهِ مش سخرية .. خد عندك يا سيدي وما
سيدي إلا انت :
في عام 1918 وضعت الحرب العالمية الأولى
أوزارها، مفضية إلى معاهدة فرساي التي أسدلت الستار عن الحرب وأعلنت بالوقت ذاته
تقسيم ألمانيا إلى أجزاء وأقاليم ضُمت إلى دول الجوار التي كانت ألمانيا قد اعتدت
عليها. علاوة على ذلك احتل الحلفاء المنتصرون الضفة اليسرى لنهر الراين بما في ذلك
الجسور الموجودة عليه لجعل تلك المناطق مناطق دفاعية في المقام الأول.
غير أن فرنسا والولايات المتحدة لم يحتلوا المنطقة الغربية المتاخمة للحدود مع فرنسا بالكامل، بل تركوا شريطاً ضيقاً ضم مدناً صغيرة؛ فما كان من أهالي ذاك القطاع ألا أن أعلنوا تأسيس دولة مستقلة سميت بـ "دولة عنق الزجاجة المستقلة (Der Freistaat Flaschenhals) ".
لم تكن هذه الدولة الفتيّة تملك مقوّمات الدولة
بالمفهوم الصحيح، فقد كانت منفصلة بشكل تام عن الوطن الأم ألمانيا بالإضافة إلى
أنها مقطعة الأوصال، إذ كانت قبل الحرب تابعة إدارياً إلى ثلاث مناطق. وبعد إنشاء
الدولة اختار أهالي المنطقة محافظ مدينة كاوب الصغيرة ليكون رئيساً عليهم، الذي
قام بدوره بطباعة عملة وطنية جديدة "لدولته" الفتية وتولى إدارة الحكم
فيها.
أما عن تأمين متطلبات مواطني "عنق
الزجاجة" فلم يكن بالأمر السهل إطلاقاً، فليس ثمة صلة بألمانيا لدرجة أن جلب
البضائع أو تبادل البريد من وإلى ألمانيا كان يجري عبر التهريب غير المشروع عبر
نهر الراين الذي كانت تحرسه القوات الفرنسية؛ فقد كانت عمليات التهريب هي المصدر
الوحيد لسد حاجات مواطني "عنق الزجاجة" المحاصرين. ونظرا لتزايد عمليات
لعمليات التهريب وعدم انصياع دولة "عنق الزجاجة" للحلفاء، فقد قام هؤلاء
بمنع القطارات من الوقوف والتوقف في محطات الدولة المتمردة، كنوع من الحصار لها.
الجدير بالذكر أن تسمية "عنق
الزجاجة" ترجع إلى شكل القطاع الذي لم يحتله الحلفاء بعد احتلال غربي ألمانيا
وكان يشبه عنق الزجاجة، وتأسست دولة "عنق الزجاجة" في العاشر من كانون
ثان/ يناير 1919 وأفل نجمها في 25 شباط/ فبراير 1923، باحتلالها من قبل فرنسا.
وبعد انسحاب القوات الفرنسية في 16 تشرين ثان/ نوفمبر 1924 عادت المنطقة إلى أحضان
الوطن الأم ألمانيا.
طبعاً لإن تفكير حضرتك خبيث (زي حالاتي)
تلاقيك فهمت في البداية إني ح اتكلم عن مصر باعتبارها جمهورية عنق الزجاجة الأصلية
والراعي الرسمي والوكيل الوحيد لأعناق الزجاجات على مستوى العالم .. بالعكس ..
أبسوليوتلي .. أنا ح اتكلّم عن رؤساء مصر بعد الملكيّة اللي بدعوا تعبير عنق
الزجاجة أصلاً لتعشيم الشعب المصري الغلبان بمستقبل أفضل خارج هذه الزجاجة
الملعونة (جتهم رقبة إزازة تندب ف حبابي عنيهم) .. الرؤسا دول غنّى لهم المطرب
الحنون "تامر جاعورة" أغنيّة "أربع رؤساء وزجاجة وما حدّش فاهم
حاجة" .. وده طبعاً لإن الرؤسا دول ما كانوش بيعرضوا خططهم أو برامجهم للشعب
اللي ما كانش فاهم حاجة وما كانوش بيكاشفوه بإحصائيات دقيقة تحدد موقعنا ف الإزازة
بالظبط أو حتى موقع الإزازة نفسها ضمن محتويات المطبخ العالمي .. فهل الإزازة دي
(اللي احنا محشورين ف رقبتها زي الكاتشب أو راقدين في قعرها ولا مؤاخذة زي الحلبة
المعقودة أو المفتّقة عقوداً طويلة) محطوطة على رف التوابل أم جوّه الحوض أم في
المطبقية أم في الثلاجة والعياذ بالله ولّا وقعت من ع الرف وبقت مرمية ع الأرض
معرّضة لأن تشوطها أي قدم بائسة تتجوّل داخل هذا المطبخ الكئيب؟
الريّس الأولاني كان مهتم أكتر بتعبير "شد الحزام" الذي أمر به المواطنين حتى خنقهم وطلّع أيْمانهم بحجّة مغامراته الحربية في اليمن وأفريقيا سعياً وراء العروبة و"الوحدة" حتى أصبحنا موْحودين بالفعل ولم يتطرّق سيادته إلى تعبير "عنق الزجاجة" التاريخي إلا في مناسبتين على الأكثر بعد النكسة المتسبب فيها مع أصدقائه وحبايبه وحبايب حبايبه الذين تقلّدوا المناصب الرياديّة في كل موقع وعلى كل لون يا بطاطسا فلجأوا مرة أخرى إلى "الحزام" الذي انهالوا به على معارضيهم في السجون والمعتقلات.
الريّس التاني كان مغرماً برقبة الإزازة كالعاشق الولهان وكان يذكرها في خطاباته بين الفينة والأخرى .. و لعل أشهر عنق زجاجة ذكرها المرحوم كانت تلك التي أطلقها في خطاب 2/5/1978 أثناء الاحتفال بعيد العمّال حينما قال : "إحنا من هنا لغاية سنة 80 (يقصد 1980) ح نكون في عنق الزجاجة زي ما بيقولوا .. عارف عارف .. و ح تعمل الحكومة .. أولاً ح ترفع وتثبّت الأسعار .. ثم ترفع (غالباً ترفع المواطن) .. ثم تدّيك الخدمات في حِتّتك (قصده طبعاً في مصلحتك اسم الله على مقامك) .. يبقى لغاية سنة 80 تستحمل معايا (واخد بالك من كلمة معايا دي .. قال يعني همَّ بيستحملوا مع الغلابة) لغاية إن شاء الله ما تفوت سنة 80 .. (وكرّر مرة أخرى اسم معشوقته الشفّافة بغرض التوكيد اللفظي لإبراز المعنى وزيادة وضوحه) من هنا لغاية سنة 80 إحنا في عنق زجاجة .. لكن مش معنى كده إن احنا ح نقعد نستنّى لغاية سنة 80 .. لأ (ناقص يقول أبسوليوتلي) .. بدون مبالغة الأرض اللي انا شفتها في الوادي الجديد (كان أيّامها جديد بشوكه) بتفي بكل آمال وطموحات أي إنسان عامل أو فلّاح أو متخرّج أو أي إنسان" ....... وحياتك .. قصدي وحياة رحمتك يا ريّس ما شفنا حاجة من الحكومة من ساعتها .. سنة 80 فاتت ووراها 90 والقرن كله طش وخلص وبقينا في القرن الواحد وعشرين و ما شفناش غير إن الحكومة كانت بترفع الأسعار ثم ترفع الأسعار ثم ترفع ثم ترفع ثم تتوغّل وتنتشر ثم ترفع .. والحكومة ما ادّيتش المواطن في حتّته (ولا في أي حتّة تانية اسم الله على مقامك) مع إننا استحملنا ولسّه بنستحمل.
الريّس التالت كان مدقدق حبتين وكان بيشيل
فِلّة الإزازة من وقت للتاني علشان الشعب ما يكمكمش ورغم مرور ست خطط خمسية مثمرة
إلّا أن الإزازة شهدت حشر ملايين أخرى داخل رقبتها في حين تمكّنت بعض الطبقات
وثيقة الصلة بدوائر الحكم من مغادرة عنق الزجاجة والاستقرار في الصحن الفسيح
الرحيب المجاور لتعوم على وِش الفتّة وتهبر ما تيسّر لها من لحوم المواطنين
الفقراء.
الريّس التالت مكرّر .. اجتمع الناس على أنه
كان فاصلاً كوميدياً بين أقرانه ولم يسعفه الوقت ليستجدي صبر الشعب أملاً في
الفرار من عنق الزجاجة فلم يكن يهتم أصلاً غير بفنكوش النهضة وإهداء الزجاجة
برقبتها وحالها ومحتالها لأهله وعشيرته قرباناً لهم قبل فوات الأوان.
الريّس الرابع .. (فاصل من مصمصة الشفايف) .. يا سلام على الريّس الرابع .. هوَّ فيه حد زي الريّس الرابع .. يا وعدي عليه .. فِداه أم الإزازة ورقبتها واللي فيها .. رغم إنه أطلق ويطلق دائماً عدّة وعود لم يفي ولن يوفي بها بالطبع إلا أننا على استعداد لأن نأكل الزلط بقشره (إذا لقيناه أصلاً) بس يفضل معانا .. مش علشان انا خايف من حبايبنا بتوع الأمن الوطني .. لأه .. أبسوليوتلي .. ده علشان انا عارف إنه خايف علينا يا مسريين لإننا لو طلعنا من رقبة الإزازة بعد 65 سنة من حشرنا فيها ح ناخد برد .. آآآآآآآتسي .. يرحمنا الله .. أصل ما يجوزش علينا غير الرحمة!!